مصر تُخرس الإعلام وتفشل في إخراس المصريين

“تقاعست وسائل الإعلام”… “تجاهل وسائل الإعلام لنا”…”اين وسائل الإعلام العربية؟”…”فلتسقط وسائل الإعلام”. هذه مجرد بعض الشعارات التي اطلقها الشعب المصري بوجه التعتيم الإعلامي الذي حصل تجاه الحركات الإحتجاجية الضخمة التي حصلت في مصر. ولكن لم تكن سوى لحظات معدودة حتى ابتكر المصريون وسيلة وسيطة خاصة بهم لنقل كل ما يحدث فعلاً على الأراضي المصرية إلى العالم بأجمعه ليكون شاهداً على كل الأحداث التي تجري من قبل النظام المصري من جهة والشعب المصري من جهة ثانية.

نسخة من صحيفة "الأهرام" المصرية - يوم 26 كانون الثاني
نسخة من صحيفة “الأهرام” المصرية – يوم 26 كانون الثاني

ممدوح عبد الحميد زيكا، مدوّن مصري، ندد بالتعتيم الإعلامي قائلاً “يجب العمل منذ الآن وصاعداً على دعوة جميع الناس لمقاطعة وسائل الإعلام المصرية وغير المصرية التي لم تغطي خبر أكبر مظاهرة في تاريخ مصر”، احمد درويش الذي يعمل في مدونة إخبارية مصرية، وفي حديث معه، يلفت إلى المشكلة تقسم إلى سببين رئيسيين، الأول هو أن اغلب وسائل الإعلام المصرية تابعة للسلطة المصرية وبالتالي لن تنقل الأحداث الجارية بكامل الدقة والموضوعية، على سبيل المثال يشير درويش إلى أن صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر يوم الأربعاء 26 كانون ثاني 2011 نشرت على الصفحة الاولى الأحداث الجارية في لبنان في حين لم تعطي الموضوع المصري أي أهمية، اما السبب الثاني فهو

تواتر الأخبار المهمة بوتيرة سريعة حدّ إمكانية وسائل الإعلام العربية والعالمية من نقل الأخبار بشكل سريع هذا إلى جانب منع السلطات المصرية مراسلي وسائل الإعلام من دخول الأراضي المصرية؛ كل تلك العوامل التي لاحت بان هناك قرار اتخذ بضرورة التعتيم الإعلامي عن كل ما يحصل جعل كل مواطن مصري يتحول إلى صحافي بحد ذاته، يلتقط الصور، يسجّل فيديو وينقل الاحداث على الإنترنت على مواقع عديدة.

على موقع يوتوب، سجل أحدهم فيديو يظهر أحد المتظاهرين يقف امام عناصر الشرطة ويحاول أن يتفادى خرطوم المياه الموجه ضده، هذا الفيديو التقط عبر نافذة مبنى قريب من الشارع، فيديو آخر يظهر تعاون بعض رجال الشرطة مع المتظاهرين على قطع إحدى الطرقات العامة في القاهرة، وفيديو ثالث يظهر كيف يعتدي بعض الشبان على المراكز الامنية “ردأ على العنف الذي مارسه رجال الشرطة تجاههم“، ومن الناحية الثانية صور أذهلت العالم التقطتها عدسات هواة بهواتفهم المحمولةللساحات المصرية مفروشة بأجساد المتظاهرين منها ميدان التحرير، صور لم تستطع أي وسيلة إعلامية الحصول عليها.

ميدان التحرير وتبدو الجموع تغطي الشارع كله
ميدان التحرير وتبدو الجموع تغطي الشارع كله

أغلب هذه المواد الإعلامية شقت طريقها شيئاً فشيئاً إلى مواقع الإنترنت الإجتماعية منها موقع تويتر الذي استخدمه المصريين بإضافة رمز “jan25 #” عند كل خبر يتعلق بالأحداث المصرية :”مقتل جندى من الأمن المركزي بميدان التحرير jan25 #”، “أنباء عن مواجهات مشابهة لمواجهات السويس لكن في مدينة الإسماعيلية الآن jan25 #”، “منى زكى تشارك فى مظاهرات الغضب ضد مبارك jan25 #”، ” jan25 #اكبر خطر علي المظاهرات غداً هو استخدام العنف من قبل المتظاهرين وهو ما سوف يعتبر زريعة لاستخدامه من قبل الامن”. ويعبر هذا الرمز عن يوم بدأ حصول المظاهرات المصرية ضد النظام المصري.

ومع إنتشار الاخبار المتعلقة عن الاحداث المصرية على شبكة الإنترنت وتوسعها شيئاً فشيئاً وثبوت فعاليتها في إبقاء العالم مطلعاً على كافة التفاصيل إضافة إلى فعاليتها في إتصال المحتجين ببعضهم البعض، تحول بعض الأفراد المصريين من مجرد مواطنين إلى صحافيين، أمثال منى طحناوي على موقع تويتر أو مثلاً صفحة “الشهيد خالد سعيد” على الفايسبوك اللذان استطاعا نشر مقاطع فيديو وصور واخبار فور حصول الحدث. وفي نفس الإطار تم إنشاء بعض الصفحات على الإنترنت التي تجمع كل ما ينشره المصريين في مكان واحد مثل موقع  Blogs of War بحيث يتيح لكل من يرغب الحصول على خدمة تشبه الخبر العاجل على الكمبيوتر الخاص.

رسم بياني يظهر توقف تواتر الأخبار من مصر عن الإنترنت يوم 27 كانون ثاني
رسم بياني يظهر توقف تواتر الأخبار من مصر عن الإنترنت يوم 27 كانون ثاني- Arbor Network

كل تلك الأمور كانت سهلة بالنسبة إلى المواطن المصري أمام وصول حد النظام المصري إلى اتخاذ قرار بقطع كافة وسائل التواصل بين مصر والعالم الخارجي، “يظن النظام الحاكم أنه بقطعنا عن العالم سيتمكن من الحد من نشر الأخبار والصور والفيديو لحالات القمع التي يمارسها ضد الشعب المصري.. ولكنه مخطئ” هكذا يعلّق محمد عبد الفتاح صحافي يعمل في الإسكندرية على القرار الذي اتخذه النظام المصري الحاكم بمنع الدخول إلى موقع تويتر ومن بعدها إصدار قرار بمنع موقع فايسبوك أيضاً، ومن ثم إتخذ قرار آخر بوقف التعامل بخدمة الرسائل القصيرة والهواتف  حتى أصبحت مصر كلها واقعة تحت مظلة التعتيم الإعلامي الكامل عند مساء يوم الخميس 27 كانون ثاني، ويضيف عبد الفتاح بأن هكذا قرار هو أشبه بصب الزيت على النار “بدل أن ينتاب المصريين البؤس والخوف هناك ردة فعل عكسية، اصبحت الشوارع هي منازل المصريين، الكل نزل ليتظاهر ضد النظام”.

ويلفت عبد الفتاح إلى أنه بالرغم من قرار منع الإنترنت الصادرة، “يظل هناك بعض المنافذ غير القانونية التي يمكن من خلالها إيصال أصوات المصريين، ومن تلك الطرق التواصل عبر الأقمار الصناعية والمواقع البروكسي التي تسهل عملية إيصال المعلومات عن مجريات الأمور في الشارع المصري للدول الأخرى”، والتي بحسب الأرقام الصادرة  عن دراسة أقامتها شركة “ترندر” فإن أكثر من 240.000 معلومة تحتوي على كلمة “مصر” <باللغة الإنكليزية> قد نشرت على “تويتر” واللافت أن 8% من المعلومات مصدرها هو مصر، مما يثبت إمكانية إختراق قرار  المنع.

بعد ان اثبتت وسائل الإعلام المجتمعية مثل الفايسبوك والتويتر واليوتوب قدرتها على إيصال المعلومات بمصداقية أكثر وحرية أكبر خصوصاً في ظل التعتيم الإعلامي المفروض على وسائل الإعلام التقليدية من قبل السلطات الأمنية، كما يحدث في مصر، وكما حدث في إيران عند الإنتخابات الرئاسية الماضية، فهل يمكن التنبئ بنهاية عصر وسائل الإعلام التقليدية، لتحل مكانها وسائل الإعلام المجتمعية؟؟

3 replies on “مصر تُخرس الإعلام وتفشل في إخراس المصريين”

Comments are closed.