أتذكر أنه في أولى أيام فصل الربيع من العام 2005، قررت أن اذهب وابحث عن جامعة تفتح لي المجال لكي أكمل دراستي فيها بعد حصولي على الشهادة الثانوية العامة من المدرسة.
أتذكر أن الجامعات التي زرتها في بادئ الأمر، كانت تلك التي تملأ المساحات الإعلانية في الجرائد والمجلات ولوحات الإعلان على الطرقات، تلك التي تتميز بإختصاص جديد وأخرى ترتكز على عراقتها في العلم إلى جانب جامعات أخرى التي ترفع شعارات تبهر الطالب إما بالمادة التعليمية أو بعلاقاتها مع المؤسسات والشركات والدول الأجنبية وإما بمجرد شعارات فارغة.
بعد اللف والدوران بين الكليات والمعاهد والجامعات، انتبهت إلى مسألة مهمة أن هذه الجامعات لن تسمح لي بالدخول طالما أنني لا أملك لا أنا ولا الـ”بابي” -الرجاء قول الكلمة باللغة الفرنسية للتناسب مع سياق الجملة- نوع الشجر الذي يدر المال بسهولة في حديقة منزلنا.
كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية كانت وجهتي، على الرغم من معارضة والدي هذا الأمر في البداية، وإذ اتفاجئ بمبنى متصدع وبملعب لا يشبه الملاعب بتاتاً والأنكى من ذلك أتفاجئ بمقررات جامعية لم أكن متوقعاً أن تكون ضمن إختصاصي، إما لانها لا تمت إلى الإعلام بصلة وإما لأن حضرة المحاضر والدكتور لم يزل يقوم بتعليم الطلاب من كتب اهترأت فيه الأغلفة بسبب مرور الزمن عليها.
قلت لنفسي، أنا ما زلت طالباً وربما هذه مجرد أفكاراً تجول خاطري لأنه لا علم لي مسبقاً بما يعنيه التعليم الجامعي ولا بد ان الجامعة تعلم ما تفعله وتقدمه للطالب..فسكت والتزم الصمت لفترة.
لم أنسَ قط قطع الرخام التي كانت تتساقط علينا من مبنى كلية الإعلام – التي كانت آنذاك في محلة الكولا – عند كل هبوب لعاصفة كانت تحدث، كما لم أنسى الشعارات الحزبية والطائفية والغرامية التي كنت أراها على كل حائط وممر.
حينما إنتقلنا إلى المكان الجديد قرب قصر الأونيسكو، تنقسنا الصعداء بإنتقالنا إلى مكان جديد، آملين كطلاب أن يكون هذا الأمر كبادرة خير على بدء تحسن أوضاع الجامعة والكلية ككل.
وللأسف لم يحصل ما كان متوقعاً.
إحدى تلك المطالب كانت بفتح مقصف داخل الجامعة، وخبرية المقصف دامت لاكثر من عامين بين مد وجزر بين إدارة الفرع وعمادة الكلية ورئاسة الجامعة وبماذا انتهت؟ انتهت بغرفة بعيدة كل البعد عن معايير المقصف النموذجي لجامعة وطنية.
وبالعودة إلى “النموذجية”، هل يجب السماح لكليات “الجامعة اللبنانية الوطنية” أن تكون مداخلها مزينة بالشعارات الحزبية والطائفية بدل أن يكون العلم اللبناني مرفوعاً بكل فخر؟ هل يجب السماح لطلاب الجامعات والذي من المفترض أن يكونوا طلاب مسؤولين وراشدين أن يقوموا بالكتابة على حيطان حرم الجامعة؟ هل يجب السماح بأن يتطاول الاستاذ الجامعي على كرامة الطلاب بالشتائم والعكس صحيح؟ هل يجب السماح للاستاذ بأن يشرح للطلاب دروساً من كتب إنتهت مدة صلاحيتها وتغيب مواضيع الإعلام المجتمعي وكل ما يدور حولها؟
لا، دعوني أيضاً ابتعد عن ما يعانيه طلاب السنوات الثلاث الأولى (الإجازة) من سوء تعليم ونقص في المعدات من أجل تطبيق ما يفترض أن يتعلموه، دعوني اوصلكم إلى ما يعانيه طلاب الدراسات العليا، حيث عدد الطلاب أقل والمشاكل تكون واضحة ربما أكثر قليلاً.
في لحظة معينة، تكون جالساً وحدك مع أفكارك وتفكر في إمكانية أن تدخل مجدداً الجامعة من أجل الحصول على شهادة الدراسات العليا، تتفاجئ بلقاءات واعتصامات (البعض منها كان فارغاً وسياسياً) وزيارات للسياسيين والقيمين عن الجامعة من أجل توضيح مسألة السماح للطالب أن يكمل دراسته الجامعية، هل يمكن للطالب أن يتقدم بتسجيله بشكل إعتيادي، أم عليه أن يخوض إمتحان دخول، أم عليه أن يعود إلى علاماته التي حصل عليها في إجازته الجامعية لكي يسمح له بالتسجيل أم لا، وهذا كله دون أن يزيل من ذهنه أن بعض المحاضرين والدكاترة من الشخصيات المشهورة بوضع العلامات للطلاب حسب الدلع، المحن، المحسوبيات، الخط السياسي، والمعارف الشخصية.
وبالطبع فكرة الجلوس على مقاعد الدراسات العليا لها رهبتها في بادئ الأمر، ولكن سرعان ما يتبدد كل شيء عندما تبدأ الدراسة فعلياً، فتكتشف حين إذن أنك لا تتعلم أي شيء جديد، بل هي مجرد تكرار لجزء صغير تعلمته في السنوات الماضية على مقاعد الدراسة، إلى جانب جزء كبير من المهارة التي تكتسبها من خلال عملية التدريب داخل مؤسسات إعلامية وهو ما كان من المفترض أن تتعلمه داخل الجامعة قبل الدخول إلى مرحلة الدراسات العليا.
وفي الإطار نفسه، ينمو حدس ما بداخلك يساعدك بتصنيف الطاقم التعليمي، هذا الشخص بالإمكان أن تتعلم وتستفيد منه، ذاك الشخص مر الدهر عليه، وآخر من الواضح ان هناك واسطة ما قد جلبته إلى الكلية. وفي الأخير تتفاجئ بأن من هو من المفترض أن يقيّم هؤلاء الأشخاص يقول لك أنه لا يدري ما هي المادة التعليمية التي تعطى للطلاب ولا يمكنه أن يعطي رأيه بما تكون أنت كطالب تشكو منه.
ولا بد لي أن اذكر واقعة يواجهها جميع الطلاب الإعلام، أن المواد التعليمية تتغير في كل عام وليست ثابتة تماماً، وقد تتغير أيضاً في منتصف العام الدراسي كما حصل منذ قرابة العام ونيف، إضافة إلى أنه يطلب منك العمل على مشاريع صحفية كاملة، إعداد مجلة بكل ما تعنيه المجلة وحتى طباعتها في حين لم تتعلم من الجامعة سوى كتابة تقرير صحافي وتحرير بعض الأخبار، وهذا الامر في السنوات الثلاث الأولى وبخاصة في مشاريع التخرج، في حين يطلب منك في مرحلة الدراسات العليا أن تقوم أنت كطالب إعلام بإختصاص صحافة مكتوبة بإعداد مقابلات إذاعية، نشرة اخبار تلفزيونية، مجلة أو صحيفة، دون أن ننسى “دعوات أعراس” وأعود وأكرر ان الجامعة لا تدربك على هكذا أمور بالشكل المطلوب بظل غياب المعدات المطلوبة في الجامعة وبالمدة الزمنية القصيرة للعام والفصل الدراسي.
وفي ظل مشكلة ما زلت اعاني منها حتى اليوم بسبب الجامعة اللبنانية “الكريمة” بسبب مشروع التخرج/اطروحة الدراسات العليا، يسجل لها نقطة سوداء بشان عملية تخريج الطلاب، إذ تجمع على الأقل اليوم ثلاث أجيال من الطلاب على عتبة التخرج من الدراسات العليا، دون أن تجد لهم حتى الآن الطريق ملائم كي ينتهوا من إعداد هذه الأطروحة لكي تتم عملية المناقشة وينتهي المرء من مأزق إسمه الجامعة اللبنانية.
مشكلة اخرى تضاف إلى السجل الأسود للجامعة اللبنانية وهو حديث البلد اليوم، أنه لم يقام حفل تخرج منذ سبعة أعوام حتى اليوم أي منذ العام 2005، وإذ يتفاجئ الطلاب بان هناك اخباراً تتقاذفها السياسية وبمن يمثلونها على صعيد الشؤون الطلابية عن حفل تخرج سيقام أواخر هذا الشهر في مكان يفترض أن يكون داخل مجمع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الجامعي في الحدث، تظن للوهلة الأولى أن الامر مجرد تجربة أخرى لمحاولة قيام حفل تخرج، بعدما باءت المحاولات السابقة كافة بالفشل بسبب التدخل السياسي فيها وإنتهاء الامر بحفلات تخرج سياسية تحت عباءات واعلام حزبية. وبعد القيام ببعض الإتصالات، تتأكد مما ينشر في الإعلام بأن من لا يحضر حفل التخرج ليس بإمكانه الحصول على شهادة الإجازة، وأن آخر موعد للتسجيل من أجل الحفل هو بعد نصف ساعة من الآن!.
وبعد كل ما قرأته يا عزيزي القارئ، ماذا بإمكان المرء أن يقول أكثر من هذا؟ وماذا بإمكانك انت أن ترد؟
حركات إحتجاجية قليلة كانت الجامعة اللبنانية شاهدة على جدية عملها، أنحني عند من كان عضواً وقيادياً فيها أمثال الشهيد أنور الفطايري والدكتور عصام خليفة وغيرهم، آملاً أن يستفيق الطلاب يوماً ما من نومة أهل الكهف كي ينهضوا ويطالبوا بجامعة فعلية تقدم لهم ما يحتاجه سوق العمل ويضمن حقوقهم كطلاب علم وليس كطلاب يمضون فترة زمنية تنتهي بتعليق إفادة عن الشهادة الجامعية وليس الشهادة الفعلية على حائط المنزل.
هل قرأتم المواضيع التالية؟
إعتصام الجامعة اللبنانية ينتهي بواحد لحزب الله وآخر لحركة أمل
ملكة جمال لبنان: أنا لا أرتاح في لبنان
جريدة “اللّواء”..اسمحيلنا فيها
One reply on “متى يحين موعد تنظيف الجامعة اللبنانية؟”
mime May 10, 2012 at 4:58 pm
الله يسترك من شي تهديد مثل العادة، يخافون الحقيقة…
Comments are closed.