“ابتسم انت في لبنان“، بهذه الجملة البسيطة رد سائق الأجرة على الراكب عندما قام الأخير بالتعبير عن إستيائه من الطريقة التي يقود بها اللبنانيون سياراتهم على الطرق. وفي هذه الحال صارت العبارة المأثورة “الله يلعن من أعطاه دفتر سواقة”، عبارة قديمة ولطيفة، قياساً بالشتائم التي يتبادلها يومياً الكثير من سائقي السيارات في الشوارع المزدحمة. أما عبارة “ابتسم أنت في لبنان” التي قالها سائق سيارة الأجرة للراكب، فتعبر عن اليأس من إصلاح أنظمة السير واحترام القوانين العامة في بلدٍ تنتابه الفوضى.
مشكلة متشعبة
المعروف أن هناك طريقتين للحصول على رخصة القيادة، أولهما إجتياز امتحان القيادة وإنجاز المعاملات المطلوبة للحصول على الرخصة، أما الطريقة الثانية فهي أن تدفع “إكرامية” لأحد الأشخاص فتصلك الرخصة إلى المنزل، من دون أن تحرك اي عضلة. هذه العادة مستشرية في لبنان ويعود سببها إلى عدم وجود قوانين عصرية وإدارة حديثة ورقابة فاعلة في المؤسسات العامة.
لكن مشكلة السير وفوضى المرور والإزدحام وعدم احترام القوانين في لبنان، لا تختصرها مسألة الحصول على رخص أو إجازات قيادة السيارات. فالمشكلة كثيرة الوجوه ومشعبة. هناك ضخامة عدد السيارات الخاصة قياساً إلى عدد السكان، وهناك غياب النقل العام والمشترك، وغياب إدارة حديثة لأنظمة السير في المدن، وعدم وجود تنسيق بين المؤسسات الرسمية التي تعنى بشؤون السير والطرق، من وزارة الداخلية والمديريّة العامة للنقل ووزارة الأشغال العامة، ناهيك أخيراً بعدم إحترام السائقين أنظمة السير.
ضخامة حوادث السير
في هذا الإطار نشطت في لبنان جمعيات عدة في السنوات القليلة الماضية وعملت على موضوعين: الأول رفع مستوى وعي الناس حول سلامة القيادة. والثاني هو محاولة الوصول إلى قانون عصري للقيادة يحفظ حق المواطن بالحصول على الأمن والحماية من أخطار السير على الطرق. في الشق الثاني من نشاطات هذه الجمعيات، أخذت لجنة الأشعال العامة والنقل النيابية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المتخصصة بهذا الامر على عاتقها الإهتمام بموضوع السير و أنظمته منذ أكثر من أربع سنوات، خصوصاً مع تزايد أعداد حوادث السير في لبنان. فوفقاً لإحصاءات مركز “الدولية للمعلومات” بلغ عدد حوادث السير التي حصلت في العام 2009 ما يقارب 3760 حادثاً مما أدى إلى مقتل 473 شخصاً وإصابة 5272 شخصاً آخرين بجروح. هذا إضافة إلى إرتفاع عدد المركبات الآلية على طرق لبنان من سيارات ودراجات نارية وشاحنات بمختلف أنواعها من خمسة وخمسين ألف آلية في العام 1960 إلى مليون وربع المليون آلية تقريباً في العام 2004، وقد زاد هذا العدد كثيراً في السنوات الست الماضية.
قانون جديد للسير
إنصب الإهتمام الرئيسي في الفترة الماضية على محاولة تعديل قانون السير وتجديده. فقانون السير الحالي رقم 7667 يعود إلى العام 1963. ومحاولة التجديد الراهنة لم تحصل إلا بعد ضغط وإحتجاج الجهات المعنية بقانون السير في الأعوام الأخيرة، وبعد إرسال مذكرات ورسائل من جهات عدة، بحسب ما ذكر رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية النائب محمد قباني، الذي أكد أن مشروع قانون السير الجديد تجري مناقشته مع جميع المعنيين في قطاعات السير، وتحديداً الجهات المعنية في وزارة الداخلية، وهيئة إدارة السير وقوى الامن الداخلي، أي شرطة السير، ثم وزارة الأشغال العامة والنقل والنقابات المعنية، كنقابات الأطباء والمهندسين ومستوردي السيارات وقطاع التأمين ومجلس الإنماء والإعمار. وذلك من أجل اخذ كافة الملاحظات في الإعتبار، وادخالها في القانون الجديد الذي يؤمل أن يبدأ العمل فيه في أول تموز المقبل، والذي قد ينقل معه لبنان من مرحلة فوضى السير إلى تنظيم قواعد المرور والسلامة العامة ويفرض العقوبات الرادعة على المخالفات.
مؤسس “تجمع الشباب للتوعية الإجتماعية – اليازا” زياد عقل، يشير إلى أن تطبيق قانون السير الجديد لا بد ان يترافق مع مرحلة تمهيدية تسمح للجمهور بأن يتعرف بواسطة وسائل الإعلام على مضمون وغاية التشريع الجديد. هذا إضافة إلى ماهية ونوعية العقوبة المفروضة، والأسباب الموجبة لمعاقبة المخالفين، وصولاً إلى مسؤولية القوى الأمنية المولجة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها قانونياً. وشدد عقل على ضرورة استمرار تطبيق القانون الجديد، “لأن الإنقطاع في التطبيق يضعف من جدية القرارات والقوانين الجديدة ويحد من الإلتزام بها”.
نظام النقاط للسائقين
تظهر المقارنة بين القانون القديم ومشروع القانون الجديد، أن هناك تعديلات كثيرة على بنود قانون السير القديم، وصولاً إلى نظام سير متطور وعملي، بما يضمن سلامة السائق وسلامة المشاة في الشوارع. ولعل أبرز عقوبة رادعة توافق عليها الباحثون في مجال تطبيق قانون السير الجديد، هي عقوبة سحب دفتر القيادة. وينص مشروع القانون الجديد على تحضيرات مهمة لتحسين تطبيق نظام السير في لبنان، أهمها إنشاء قاعدة معلومات “Data Base” لكافة قضايا ومخالفات السير، ليكون لكل سائق سجل خاص، واعتبار رخصة السوق امتيازاً مؤقتاً يمنح للسائق الملتزم بقانون السير مع الاخذ بمبدأ النقاط المعمول به في العديد من دول العالم. ونظام النقاط هذا يخول الجهات المولجة تطبيقه سحب رخصة السوق من السائقين الذين تتكاثر مخالفاتهم.
أبرز ما يساعد على تطبيق الـمادة328 التي ينص عليها مشروع القانون الجديد، هو وضع الشرعة اللبنانية لحقوق المشاة، وانشاء مدارس خاصة لتعليم السوق، واعتماد آلية جديدة لمنح رخص السوق وربطها بمبدأ النقاط وفرض العقوبات. وسريان صلاحية رخص السوق الخصوصية لمدة ثماني سنوات قابلة للتجديد 8 سنوات حتى سن الـ 45 ، واربع سنوات جديدة حتى سن الـ 64، وكل سنتين بعد عمر الـ65 سنة. ويشترط القانون الجديد منح تأشيرة رخصة السوق لكل طالب يجتاز الإمتحان النظري والعملي. ويعمل القانون على انشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية، ويدعو إلى التشدد في العقوبات وربطها بالنقاط الممنوحة للسائق، لكي تكون الرادع الاول في الحدّ من المخالفات. فعندما يفقد السائق مجموع نقاطه، تفقد رخصة السوق صلاحيتها وتسحب منه لمدة ستة أشهر يخضع خلالها السائق لدورة متخصصة في احدى مدارس السوق. وينص المشروع على تنظيم القطاع العام المتعلق بإدارة السير واعتماد نظام متطور وحديث يؤمّن للسائق ضمانات مالية وصحية غير مرتبطة بساعات العمل.
هل سيشكل مشروع قانون السير الجديد، نقلة نوعية على طريق الاصلاح الحقيقي للحدّ من حوادث السير المميتة والفوضى والعشوائية على الطرق؟ الإجابة متعلقة بصرامة التطبيق وإنسجامها. وذلك حفاظاً على حقوق المشاة والسائقين، وحقوق أصحاب الاملاك الخاصة والعامة. والأمل يبقى في أن يأتي موعد إقرار هذا المشروع ليصبح قانوناً يطبق فعلياً في الاول من تموز من هذا العام، على أن لا تذهب كل هذه الجهود كمن يحاول غربلة الماء أو أن تبقى الطرق في لبنان منصة إعدام.
نشر في موقع تيّار المستقبل الإلكتروني وموقع جمعية اليازا
One reply on “قانون حديث للسير: كي لا تبقى الطرق منصة إعدام”
ما الذي يجري داخل مركز المعاينة؟ « مـــــجّــــة December 20, 2011 at 3:33 pm
[…] قانون حديث للسير: كي لا تبقى الطرق منصة إعدام […]
Comments are closed.