لبنانيون يتابعون كلمة زعيم حزب الله عبر التلفاز من بيروت، لبنان (اي بي ايه)

إيران تتراجع عن “تسوية تل أبيب من لبنان”

لم يتبق خلال الأيام الماضية أي من السياسيين والقادة العسكريين بين تل أبيب وبيروت وطهران إلا وقد تناولوا موضوع التهديد الإيراني ضد إسرائيل انطلاقاً من لبنان، حتى خرج زعيم تنظيم حزب الله يوم أمس واضعاً لمسته النهائية في طمس معالم التصريح المثير للجدل.

نقطة البداية

في عددها الصادر يوم السبت الماضي، استصرحت صحيفة “كوريير ديلا سيرا” الإيطالية وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حيث أكد الأخير أن تل أبيب ستكون مستعدة لقصف إيران لوقف إمكانياتها المتعلقة بالأسلحة النووية.

وقال كاتس للصحيفة، على هامش مؤتمر حوار البحر المتوسط للسياسة الخارجية في روما، “نعم، إنه خيار، لن نسمح لإيران بإنتاج أسلحة نووية أو الحصول عليها، إذا كان التحرك العسكري هو السبيل المحتمل لوقف ذلك، فإننا سوف نسلكه”.

فما كان من النظام الإيراني إلا أن أخرج أحد كبار المستشارين لرئيس أركان القوات المسلحة، مرتضى قرباني، يوم الإثنين الماضي، ليهدد بأن إيران قد تدمر إسرائيل من دون إطلاق صاروخ من الأراضي الإيرانية.

وقال قرباني، في حوار خاص لموقع “وكالة ميزان للأنباء” الإلكتروني، التي تصفه وكالة رويترز بأنه “تابع للسلطة القضائية”: “إذا ارتكب النظام الصهيوني أصغر خطأ تجاه إيران، فإننا سنسوي تل أبيب بالأرض من لبنان نفسه، من دون الحاجة لصواريخ أو معدات من إيران”.

وأضاف محذراً “إذا أقدم النظام الصهيوني على ارتكاب أدنى خطأ، لو كان حتى من لبنان، نحن رهن إشارة ولينا القائد ويدنا على الزناد”.

تلقف “المبادرة الإيرانية”

وبعد ساعات على نشر المقابلة الصحافية، أبدى العديد من النواب والسياسيين في لبنان استنكارهم من تلك التصريحات.

وعلى الرغم التزام رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، اللذان ينتميان إلى حزب “التيار الوطني الحر” نفسه المتحالف مع تنظيم حزب الله، الصمت تجاه التهديدات الإيرانية.

إلا أن وزير الدفاع، إلياس بو صعب، المنتمي إلى الحزب السياسي نفسه، قال يوم الثلاثاء “إنه لأمر مؤسف وغير مقبول وتعد على سيادة لبنان الذي تربطه بالجمهورية الاسلامية الايرانية علاقة صداقة لا يجوز أن تمس استقلالية القرار اللبناني بأي شكل من الأشكال”، ولكنه كان حريصاً على بدء تصريحه بجملة “إذا صح ما نُسب إلى مستشار رئيس الحرس الثوري الإيراني”، محافظاً بالتالي على صفو العلاقات مع حليفه الأبرز في الداخل اللبناني والذي اعترف على لسان زعيمه في أكثر من مرة على الدعم اللامحدود من النظام في طهران.

وترافق تصريح المسؤولين في لبنان مع ارتفاع نسبة سخط اللبنانيين، لا سيما المتواجدين منهم في مختلف الشوارع والمشاركين في خضم التظاهرات التي لم تهدأ منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لافتين بأن لبنان، وخصوصاً في عز الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يمر بها، ليس بحاجة إلى استغلال جديد لمجرد تحقيق بعض مطامع النظام الملالي، حيث لم ينظر إلى الشعب اللبناني سوى بكونهم بيادق على رقعة الشطرنج الإيرانية.

باكستان تدخل أيضاً على الخط

على الصعيد الإقليمي، بدأت تتشكل ملامح لبوادر ضغوط دولية في محاولة لتهدئة التوترات الإقليمية، وبخاصة جراء التصعيد الإيراني على أكثر من محور.

نقلت صحيفة “تريبيون” الباكستانية يوم الخميس، أن “رئيس الوزراء عمران خان سيقوم بزيارة المملكة العربية السعودية قريباً في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها باكستان لتسهيل التقارب بين الرياض وطهران”.

وذكرت مصادر دبلوماسية للصحيفة إن “تبادل الزيارات المدنية والعسكرية الباكستانية بين السعودية وإيران خلال الأسابيع القليلة الماضية تشير إلى أنه قد يكون هناك ‘بعض التقدم’ في المناورات الدبلوماسية التي أطلقتها إسلام أباد”، بخاصة بعد كلام وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إلى أن “وزارة الخارجية (السعودية) جاهزة دائماً للتعاون مع البلد المجاور لنا”، مؤكداً أن “التهدئة يجب أن تأتي من الطرف الذي يصعّد”.

وأكدت صحيفة “باكستان توداي” في عددها الصادر صباح اليوم السبت، أن رئيس الوزراء متجه إلى الرياض للقاء القيادة السعودية.

ونقلت الصحيفة عن المكتب الإعلامي للرئيس أن المتحدثات بين الطرفين “ستشمل المناقشات بين الجانبين المسائل الثنائية والتطورات الأخيرة في السياق الإقليمي”.

ومن المعروف أن القيادة السعودية، وعلى الرغم من التعارض التام مع كامل نشاطات حزب الله في داخل وخارج لبنان، إلا أنها لم تترك هذا البلد المتوسطي.

وكان واضحاً ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في الأيام القليلة الماضية “إن استقرار لبنان بالغ الأهمية بالنسبة للمملكة“.

ومع انعقاد اجتماع “المجموعة الدولية لدعم لبنان” في فرنسا، كان واضحاً سعي باريس إلى جانب السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أجل توفير مساعدة مالية عاجلة للبنان، إلا أن جوابها كان واضحاً: دعم لبنان ضروري ولكن على قاعدة أن يعود إلى “لبنانيته”، حتى لا تكون هذه المساعدة هي تشجيع لتدخله، من خلال “حزب الله” المهيمن على قراره، في أزمات تمس “أمننا الاستراتيجي”.

التفاعل الإيراني

مع مرور قرابة 72 ساعة على تصريحات القيادي الإيراني، وسعياً لتهدئة الغضب اللبناني، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية بياناً للمتحدث باسم قوات الحرس الثوري، ينسف تصريحات زميله قرباني مدعياً أنه “جرى تحريفها”.

وحاول المتحدث الإيراني العميد رمضان شريف، لفلفة الأمر مدعياً أن “ما قاله قرباني.. تم تشويهه وإساءة تفسيره من قبل وسائل الإعلام”، زعماً أن قرباني “لا يعمل حالياً كمستشار للقائد العام للقوات المسلحة”.

إلا أنه على الأقل حتى 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت وكالة الأنباء الرسمية (إيرنا)، وبنسختها العربية، تشير إلى قرباني بصفة “مستشار القائد العام لحرس الثورة الاسلامية“.

تزامناً مع بيان قوات الحرس الثوري، لوحظ أن المقابلة التي أجراها المستشار – الذي ربما بات سابقاً، قرباني سحبت بالكامل من على موقع “وكالة ميزان للأنباء”، وباتت تفيد زائريها بعبارة “صفحه درخواستی شما موجود نمی باشد” وتعني ” الصفحة التي طلبتها لم تعد متوفرة”.

بعد أن ظن النظام الإيراني أنه نجح في طمس جميع معالم التهديد باستعمال تنظيم حزب الله في الهجوم أو الدفاع عن إيران من لبنان، وضع زعيم حزب الله حسن نصرالله يوم أمس الجمعة، بعد 6 أيام على التصريح المثير، لمسته المحلية، لاسيما بكونه الناطق الفعلي بإسم النظام الإيراني في الداخل اللبناني.

وادعى نصرالله قائلاً إنه “لم تُذكر كلمة لبنان في تصريح المسؤول الإيراني وهناك أشخاص يصرون على فبركة تصريحات لمسؤولين إيرانيين أو تحريفها لتحريض اللبنانيين وإحراج حزب الله وحلفائه”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام الإيراني فرض سياسته على الداخل اللبناني، إذ يسجل التاريخ في مرات عدة تصريحات لمسؤولين إيرانيين، وصولاً إلى الرئيس الإيراني نفسه، يؤكدون استغلال لبنان والدول المجاورة.

ومن بين تلك التصاريح، ما أعلنه في سبتمبر (أيلول) من العام المنصرم، قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، بضم لبنان إلى المحور المدعوم من إيران المؤلف من سوريا واليمن وفلسطين، بحسب زعمه. وكان حسن روحاني تساءل في الأشهر القليلة التي تلت إعادة انتخابه رئيساً للبلاد “هل من الممكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال افريقيا والخليج اتخاذ قرار حاسم دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟”، ما استعدى آنذاك رداً من رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الذي أكد رفضه لهذا التصريح “المردود لأصحابه”.

وعليه، مهما حاولت إيران وأدواتها تصحيح ما عبّرت عنه مسبقاً فإنه من السهل على طهران القول إن كلام الرجل خضع للتحريف. ولكن، كما يفيد الصحافي رفيق خوري اليوم بصحيفة “نداء الوطن” اللبنانية، من الصعب “إنكار الإستراتيجية الواقعية التي جعلت لبنان وغزة وسوريا والعراق مواقع أمامية للدفاع عن إيران”.

Image: WAEL HAMZEH / EPA