شو اشبك يا ريما؟

جلست ريما على الكنبة، التقطت “ريموت كونترول” التلفاز. بدلت محطاته “مقلبة” به علها تجد ما يجذبها، لكن لا شيء يشد انتباهها. لحظات ويستقر الامر على إحدى القنوات التي تعرض مسلسلاً هندياً.

رغم أن المسلسل مدبلج باللغة العربية، إلا أنها لم تتمكن من فهم ما يجري امامها.

تأكل أظافرها. تهز رجلها اليسرى، والتوتر يطغى على كامل افكارها وعقلها.

لم تعد تسمع ما يهمهم من أصوات حولها. ترى المشاهد على التلفزيون فحسب، ولكن لا يمكنها أن تحلل أي منها.

تجلس منتظرة، تنظر إلى اظافرها، ثم تنظر إلى التلفاز.

الصوت الذي تبثه ساعة الحائط: تك تك تك.. اصبح عميقاً، لدرجة انها صارت تحسه في كل لحظة يتحرك فيها.

إنها الساعة الحادية عشر والنصف، ولم يعد والدها بعد من عمله، وهي فقط .. تنتظر.

تقف. تذهب إلى المطبخ. تفتح باب البراد على أمل ان تجد شيئاً ما، اي شيء تتناوله سريعاً، تفتح درجاً سفلياً، تخرج من احد الأكياس السوداء خيارة.

تغلق الباب، وتذهب إلى المغسلة، ما ان تلمس المياه يديها، تنقز. تمسك الخيارة، تغسلها جيداً، ربما اكثر من اللازم، وما أن تفتح فمها لأكلها، حتى تعود عن تلك الأفكار.

تضع يدها على حنجرتها. هناك شيء ما غريب، وكأنه تم وضع شيئ في الداخل.

تعود إلى الكنبة، وتنتظر.

اصبحت الساعة الثانية عشر ولم ترَ والدها بعد، تطفئ التلفاز وتدخل غرفة نومها، ولكن لم تكد تضع رأسها على المخدة الزهرية، حتى يطلق القلب جنوحه بدقات اشبه بصوت المطرقة.

لم يكن بإمكان ريما ان تسمع ما في خارج جدران غرفتها، تكفيها الأصوات التي تتكلم داخل عقلها، تكفيها اصوات نبضات قلبها. ما هي إلا لحظات حتى تستسلم من دون أن تنتبه إلى النوم.

تستيقظ في اليوم التالي باكراً، ربما أبكر من وقتها المعتاد، تسمع شخير والدها في الغرفة الملاصقة لغرفتها. يعود قلبها إلى الخفقان سريعاً، تنظر إلى نفسها في المرآة، من رجليها صعوداً إلى وجهها.

تنظر إلى الساعة، ما زال هناك وقت قبل أن تستعد للذهاب إلى الجامعة.

تجلس على السرير، تبقي يداها على رجليها، تنظر خارج النافذة، عينيها مصوبة نحو الأفق، ولكن نظرها داخل أفكارها، تحاول إيجاد الحلول.

“ماذا يمكنني أن أقول له؟ كيف يمكن أن ابرر له ما حصل؟ هل يمكن إصلاح ما جرى؟”

تجلب هاتفها، تدخل على موقع فايسبوك، وتبحث في “لائحة الأصدقاء”، تنظر إلى صور الفتيات التي لديها. تبدأ بتفقد رفيقاتها، تقرأ ما كتب، تنظر إلى الصور. “يبدو انهن فرحات، يعشن أيامهن من دون أي مشاكل.. يا ربي.. نيالهن”.

يرن منبه الهاتف منذراً بضرورة إجراء التحضيرات الأخيرة قبل مغادرة المنزل.

تفتح الخزانة بسرعة، وتنتقي كنزة سوداء اللون لترتديها فوق جسدها، تنظر إلى المرآة بتمعن، قبل أن تستقر عليها، ومن ثم تكمل بارتداء ما تبقى من ثياب.

تصل إلى مبنى الجامعة، لا بسمة.. لا حزن على وجهها، مجرد وجه خال من الملامح، وعينين تائهتين تنظران يمنة ويسرة، تحاولان اكتشاف من ينظر إليها.

تجلس على المقعد داخل الصف وبيدها الهاتف. الاستاذ يتحرك أمامها، ولكن لا تنتبه إليه، تبحث في هاتفها، تبحث عن أجوبة، أجوبة لأسئلة تكاد لا تنتهي، لأسئلة تتضاعف الثانية تلو الأخرى.

لم تستطع أن تمتلك اعصابها، غادرت الجامعة مسرعة إلى المنزل، وهي تأمل أن تلتقي بوالدها قبل أن يغادر، لم تنتظر مرور الباص، ركبت في أول سيارة أجرة تلتقي بها، من دون أن تتأكد من مواصفات السائق، أو شكل السيارة كما كانت تفعل على الدوام.

تفاجأت والدتها عندما رأتها على عتبة الباب، “شو عم تعملي هون؟ طلع شي انفجار؟”.

تتلبك ريما وتذهب بسرعة إلى الحمام.

داخل الحمام تنظر إلى نفسها، وتعيد تفقد نفسها، ثيابها.

تخرج من باب الحمام، ولتدخل إلى المطبح حيث والدها لا يزال يتناول فطوره.

ينظر والدها إليها وهو يضع لقمة اللبنة والزيتون داخل فمه “شو صار معك.. إحكي”.

والديها يريدانها أن تتكلم، وهي أيضاً تريد ذلك، ولكن لما لا يفتح فمها؟ لم لا تخرج الكلمات؟

اجزاء من الثانية تمر، ولكنها تبدو وكأنها ساعات.

تشد ريما على اصابع رجليها ويديها، تفتح فمها ببطئ شديد، تتبدل نظرات الوالد.

وقبل ان يقول الوالد شيئاً، تمر الأفكار بسرعة، ويمر الوقت بشكل بطيء جداً “ماذا سيظن والدي، هل ستتبدل نظرته لي، لماذا لم اهتم بنفسي أكثر، ماذا سيقول الناس عني؟ لن يكون بمقدوري الخروج من المنزل أو العيش بعدها.. ليش يا الله ليش!؟”.

وما أن ينادي الوالد ريما، تعود إلى رشدها وإلى تلك اللحظة، تضع يديها على بطنها ببطء.

بابا.. أنا حامل.

هل قرأتم المواضيع التالية؟

صار فيك تعملا وين ما كان

بسمة شخص نسي طعم الحياة تغنيك عن كنوز الدنيا

قتل إبنته وهو على الفايسبوك

 تغلب قوة الحياة على راحة الموت

لا حواجب بعد اليوم

2 replies on “شو اشبك يا ريما؟”

Comments are closed.