من هو قيصر سوريا الذي هرّب 55000 صورة تعذيب؟

تناقلت العديد من وسائل الإعلام خبراً مفاده أن هناك أكثر من 55000 صورة يفترض أنها التقطت لمواطنين سوريين تم قتلهم بعد تعذيب على نطاق واسع ووحشي ويتم إتهام من خلال هذا الخبر النظام السوري برئاسة بشار الأسد بارتكاب تلك الأعمال.

وفي كل مرة، تتناقل وسائل الإعلام المحلية الخبر عن طريق وكالات الأخبار، التي هي بدورها تنتقي ما تريده، ويتم إغفال التفاصيل الباقية عن الموضوع، على الرغم من أن التقارير منشورة على الانترنت.


التقرير الذي تم نشره على موقعين منفصلين وهما موقع “امانبور-سي أن أن” الإلكتروني، وجريدة “غارديان”، يستند الى شهادة شخص يدعي أنه كان يعمل لدى النظام وطلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

التقرير الذي يقع ضمن 31 صفحة، تعلو كل صفحة منه كلمة “سري”، ولا يتضمن سوى 10 صور تم تجزئتها لوضع الملاحظات عليها للدلالة على أنواع وأشكال التعذيب التي جرت، ومبني فقط على أقاويل ومعطيات لمنشق عن النظام السوري لقّب بـ”قيصر”.

foreignaffairs.house.gov

تاريخ قيصر

بحسب المعلومات التي ذكرت في التقرير، فإن قيصر، قبل انشقاقه عن النظام السوري، كان يعمل لدى الشرطة العسكرية، وكانت مهامة تقوم على التقاط الصور للأماكن التي جرت فيها جرائم مدنية، ولكن مع بداية الأزمة السورية، تغيرت طبيعة عمله، إذ أصبح من مهامه، ومن مهام المجموعة التي كانت معه، تصوير وتوثيق الجثث التي كان يؤتى بها من مراكز الإعتقال إلى المستشفى العسكري، وكل ذلك بحسب كلام قيصر.

قيصر، وخلال فترة عمله لدى النظام، بحسب التقرير، استطاع تهريب عشرات الآلاف من الصور للجثث التي صورها هو والمجموعة التي كانت معه، وذكر في التقرير أن هناك صوراً اخرى تم تهريبها أيضاً ولكن من أفراد آخرين.

ويشير التقرير إلى أن عدد الصور المهرّبة التي استطاع فريق البحث الحصول عليها تبلغ، وحتى كتابة التقرير، 55000 صورة، بمعدل 4 أو 5 صور للجثة الواحدة، أي صور لقرابة 11000 جثة معتقل.

أمرأة تتفاعل مع الصور المعروضة داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)

مصداقية قيصر

كدليل على مصداقية قيصر في كلامه، لا يسلط التقرير الضوء على الطريقة التي تم اتباعها من أجل التأكد من كلامه سوى أنه تم مقابلته “بحذر” وتم تقييم تلك الأدلة، ووجد الفريق المحقق أن تلك الأدلة صادقة وأن قيصر هو شخص يمكن الوثوق به.

لماذا؟

لأنه، بحسب التقرير، لم يظهر أن قيصر هو شخص عاطفي أو يميل إلى النظام، على الرغم من أنه يدعم “من هم ضد النظام الحالي”.

ويضيف التقرير أنه لو أراد قيصر تضخيم الأدلة التي وجدت معه، كان بإمكانه القول أنه كان شاهداً على عمليات التعذيب.

وينهي التقرير الكلام حول التحقق من قيصر من خلال القول “كان هناك العديد من الأسباب الأخرى التي جعلت فريق التحقيق يصل إلى خلاصة مفادها أن الأدلة يمكن الوثوق بها، ويمكن الرجوع إليها في أي إجراءات قضائية لاحقة”.

ومن ثم يعود التقرير إلى المراحل الأولى لعملية التواصل بين قيصر وفريق التحقيق.

فريق التحقيق، المؤلف من أعضاء يتواجدون بين المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، سافر إلى الشرق الأوسط من أجل التحقق من معلومات وصلتهم من قبل شركة “كارتر-روك وزملاءه” الحقوقية البريطانية، وعرفوا لاحقاً أن هناك منشقاً عن النظام، كان يختبئ بإحدى دول العالم الثالث، لديه تلك الصور المذكورة لأشخاص “تعرضوا للتعذيب والقتل على يد عناصر من النظام السوري الحالي منذ بدء الإحتجاجات ضد نظام الأسد في آذار 2011”.


اللقاء الذي حصل بين فريق التحقيق وقيصر جرى في 12، 13، 18 كانون الثاني من العام الجاري، ونوقشت أسباب عمله مع الشرطة العسكرية، وأوضح قيصر أنه بعد انطلاق موجة الإحتجاجات ضد نظام الأسد، أصبح إلتقاط الصور للأشخاص اللذين تم تعذيبهم وقتلوا داخل مراكز الإحتجاز عملية روتينية.

أما سبب التقاط الصور، كما يشرح قيصر، فكان يتم لسببين:

الأول: من أجل إصدار وثيقة وفاة من دون الحاجة للرجوع إلى العائلة، وبالتالي تجنب قيام السلطات بإعطاء معلومات دقيقة حول سبب الوفاة.

الثاني: من أجل الحصول على دليل حسي على تنفيذ الأوامر التي أعطيت.


وفي سياق الكلام حول التحقق من مصداقية الصور، يلفت التقرير إلى أن الدكتور ستوارت هاملتن، والبروفسور سو بلاك كانا المشرفان على الأمر برمته، ووصلا إلى نتيجة أن تلك الصور “يقال” أنها التقطت خلال فترة النزاع المسلح في سوريا وبالتالي تضع في عين الإعتبار إمكانية أن تكون تلك الإصابات الواضحة هي نتيجة عمل عسكري قانوني أي بمعنى صدرت أوامر عسكرية بذلك، ويستنتج فريق التحقيق بأن هذا الأمر هو مؤشر قوي إلى أن “عمليات القتل كانت منهجية، أمرت، ووجهت من الأعلى”.

المنشق السوري “قيصر” يخفي هويته أثناء استماعه مع مترجم إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في 2014 (غيتي)

شخصية قيصر العسكرية

قيصر، الذي أفاد لجنة التحقيق بـ 26948 صورة من أصل 55000 تمتلكها اللجنة أساساً، كان يحمل معه إلى جانب الصور الموضوعة داخل ” يو اس بي”، ورقتي إثبات لعمله تحملان اسمه، وصورة شمسية له.

قيصر الذي عمل قرابة 13 عاماً في سلك الشرطة العسكرية أمضى آخر 3 سنوات له في تصوير وتوثيق جثث المعتقلين، أوضح أن هذا العمل كان شاقاً وسبب له ولرفاقه معاناة نفسية.


عمليات التصوير

50 جثة في اليوم الواحد، كما يصف قيصر، كان يجب أن يتم تصويرها، وكانت تأخذ كل جثة بين 15 و30 دقيقة لتصويرها كاملاً.

الهدف من عملية التصوير، في مراحل لاحقة من الإحتجاجات السورية، كانت من أجل التأكد بأنه لم يتم إطلاق سراح أي من المعتقلين من قبل العناصر الأمنية، كما من أجل إبلاغ العائلات بأن سبب الوفاة هو إما مشاكل تنفسية، أو ذبحة قلبية، كما من أجل إرضاء من أعطى الأوامر بأن عمليات الإعدام تمت.

يعطى لكل معتقل رقمان، أما هوية الجثة الحقيقية فتبقى في علم العناصر التي تعمل في جهاز المخابرات فقط. أول رقم يكتب على جسد المعتقل يعتبر مرجعاً لمعرفة أي مركز مخابراتي قام بعملية الإحتجاز والقتل، أما الرقم الثاني فيوضع على الجثة داخل المستشفى العسكري، من أجل التوثيق زوراً بأن عملية الوفاة حدثت في المستشفى وليس تحت التعذيب، ومن بعد عملية الترقيم، والتصوير، والتوثيق يتم دفن الجثث في مناطق ريفية، ويستنتج فريق التحقيق هنا أيضاً أن وجود نظام ترقيم هو دلالة على “نية القتل المنظم”.

وبسبب تزايد أعداد القتلى وقلة الموارد الممكن الوصول إليها، يقول قيصر أن عدد الصور التي تلتقط لكل جثة انخفض حتى وصل الأمر إلى التقاط 4 او 5 صور لكل جثة.

ويشدد قيصر في معرض كلامه مع فريق التحقيق، أن ما يقوم به اليوم هو من أجل سوريا والشعب السوري، وكي ُيجلب القاتل أمام المحكمة للحصول على العدالة.

رجل يتفاعل أثناء مشاهدة صور قتلى مركز الاحتجاز في سوريا، داخل مركز الأمم المتحدة (رويترز)

الهروب من سوريا

في أيلول 2011، بعد مرور سبعة أشهر على اندلاع “الحرب الأهلية في سوريا”، تم الاتصال بقيصر من قبل أحد أصهاره الذين فروا خارج سوريا منذ الأيام الأولى للاشتباكات. استجوبت اللجنة قريب قيصر وأشارت إليه في التقرير تحت اسم “شخص يتصل به قيصر”، هذا الشخص كان يعمل مع جماعات “حقوقية دولية” ورأى في قيصر مصدراً موثوقاً من داخل سوريا. إثر ذلك، بعث قيصر آلاف الصور إلى ذلك الشخص وعندما بدأ يقلق بشأن سلامته، نجح، بمساعدة معارفه في “الحركة الوطنية السورية” – أي المعارضة السورية، في إخراج قيصر وعائلته من البلاد.

كيف بدأت مهمة قيصر

بناء على أقاويل قيصر، فإن قيامه بتصوير وتوثيق هذه الأمور بدأ حينما لاحظ الإختلاف بين الأسباب التي تعلنها مراكز المخابرات والأسباب التي تعلنها المجموعة التي يعمل معها، وفي تلك اللحظة، بدأ البحث عن مصدر موثوق للمعلومات حول المحتجزين واللذين فقد أثرهم، “وكان علينا أن نجد أشخاصاً يتعاطفون مع قضيتنا من داخل النظام”، وذلك من أجل الربط بين السبب الحقيقي للوفاة، ما يصدر عن النظام السوري.

ويقر بعدها فريق التحقيق في التقرير مجدداً بأن قيصر لم يكن مصدر موثوق للأخبار فقط بل الأكثر إقناعاً.

ويخلص التقرير في صفحاته الأخيرة إلى أن:

“فريق التحقيق اقتنع، من خلال ما ذكر وبالمواد التي قدمت إليه، والتي يمكن التأكد منها أكثر عبر المحكمة، أن تلك المواد تعطي دليلاً واضحاً على التعذيب والقتل المنهجي للمحتجزين من قبل العناصر التابعة للنظام السوري.
تلك النتائج يمكن استخدامها في عملية البحث بشأن جرائم ضد الإنسانية كما بوجه النظام السوري الحالي”.

2 replies on “من هو قيصر سوريا الذي هرّب 55000 صورة تعذيب؟”

  • ali chedid January 29, 2014 at 9:42 pm

    “50 جثة في اليوم الواحد، كما يصف قيصر، كان يجب أن يتم تصويرها، وكانت تأخذ كل جثة بين 30 و50 دقيقة لتصويرها كاملاً.”
    يعني 25 ساعة تصوير بالنهار!!

    • Ghazayel January 29, 2014 at 10:30 pm

      شكراً علي على الرد، كان هناك خطأ بالعدد، كل جثة تأخذ بين 15 و30 دقيقة وليس خمسين.

Comments are closed.