في الوقت الذي تستعد فيه بلدتنا برجا لاحتضان مبادرة فنية/اجتماعية ضمن مشروع “وئام”، وهو مشروع يُطبّق على مستوى لبنان، كنت أنتظر أن يكون الحدث مصدر فرح واعتزاز مع عودة برجا إلى خارطة النشاطات الوطنية التنموية. لكن تفاجأت بأصوات – طبعاً ومن دون شك – غيورة على المجتمع البرجاوي، تنقل للأسف منشورات قديمة تزعم زوراً أن الجهة الداعمة لهذا المشروع في برجا تحمل “أجندات” تتنافى مع خصوصية المنطقة ومعتقدات أهلها.
الصديق Ahmad Bashir الذي نشر الدعوة، والتي أعيد نشرها هنا، تلقّى سيلاً من التساؤلات عن تلك “الأجندة الخفية” المزعومة، علماً أن هدف المشروع ببساطة هو تعزيز أواصر التواصل داخل المجتمع وتشجيع مختلف فئاته على التفاعل والمشاركة.
مِنقول الله
الجميع يعلم أن الجمعيات / الروابط / الهيئات في لبنان، تتعامل بالضرورة مع جهات داعمة مالياً، سواء محلية أو دولية. ففي ظل غياب دولة قوية قادرة على دعم جميع شرائح المجتمع، يصبح التعاون مع تلك الجهات أمراً لا مفر منه.
وكما أن للأحزاب والشخصيات النافذة أجندات تحاول من خلالها “التأثير” على المجتمع، كذلك تفعل الجهات الدولية. ولكن الفرق يكمن في الجهة المنفذة: هل تتبنى كل ما يطرح عليها، أم تختار ما يلائم مجتمعها؟ وهنا بيت القصيد.
لنكون جديين شوي
مشروع “وئام”، الذي تقدّمت به جمعيّة العطايا البرجاويّة، مبني على وثيقة منشورة بالكامل، ويمكن الاطلاع عليها من خلال هذا الرابط.
لُب المشروع، المذكور حرفياً في الوثيقة، يتمحور حول “العمل من أجل المشاركة والقبول والوساطة” تعزيز التماسك الاجتماعي في لبنان، أي بالانجليزي “Working for Engagement, Acceptance, and Mediation” الذي اشتق منه اسم المشروع: WE’AM– وئام.
شو بيعني؟
ببساطة، المشروع يدعو للاستفادة من خبرات أبناء البلدة نفسها لتعزيز تماسكها الاجتماعي. يُشخّص المشروع (مذكور بالوثيقة أعلاه) أسباب الانقسامات الاجتماعية بوضوح: الطائفية، والسياسة، وضعف آليات التواصل. وتقترح الوثيقة التعاون مع رجال الدين والفاعلين المحليين لمعالجة هذه المشكلات. لا أجندات غريبة ولا رموز مخفية ولا تدخل أجنبي.
وحسب الوثيقة، المشروع ينطلق على 3 مسارات: “معالجة دوافع التوترات على المستوى المجتمعي؛ التعرف على أدوات وأساليب لحل النزاعات، تكون تراعي الفوارق بين الجنسين؛ وإدماج التماسك الاجتماعي بالبرامج التنموية”.
الكلمات “المرعبة” التي أثارت شكوك البعض، كـ “Gender Equity”، فهي لا تشير إلى شيء خارج عن عاداتنا ولا تستهدف تفكيك مجتمعاتنا. بل المقصود بها هو تحقيق العدالة بين المرأة والرجل في الفرص والمعاملة. لا أكثر، ولا أقل، وهذا وفق توصيف الأمم المتحدة.
https://uis.unesco.org/en/glossary-term/gender-equity
وفي مواجهة الادعاءات بأن برجا “تُركت وحدها” وأن بقية البلديات، أو الجمعيات، انسحبت من المشروع، فإن تقرير التحضيرات يكشف عكس ذلك تماماً:
أما عن الصورة الشهيرة التي عادت إلى الظهور، والتي جمعت شعارات ورموزاً لا علاقة لها بالمشروع، وتظهر كأن المشروع يستهدف “القيم الدينية والإسلامية”، يؤسفني القول إنها مثال صارخ على التلاعب الإعلامي. الصورة ركبت بطريقة بدائية، وربما لو استخدموا منصة “كانفا” في تصميم لكانت النتيجة أفضل. وكمتخصص في التحقق من صحة المواد الإعلامية، أؤكد أن هذه الصورة لم تصدر عن أي جهة داعمة أو منفذة.
أما الصورة الأخرى، التي يُزعم أنها تُظهر أن المشروع “يعطي أولوية لمقترحات تتعلق بمجتمع الميم عين”، فهي جزء من مسار مختلف تماماً لا يمت بصلة للنشاط المعني لجمعية “العطايا البرجاوية”.
https://oxfam.app.box.com/s/rzir7wa6v3tee7nzt4ixprb40t8qtbxq
هذا الشق من المشروع يتعلّق بتدريب ثلاثين صحفياً وصحفية على تغطية موضوعات متنوعة كحقوق الإنسان، البيئة، الإعاقة، النساء، وغيرها – بما فيها مجتمع الميم عين – وليس فرض لتناول مواضيع معينة. بمعنى آخر، الصحفي هو من يختار، لا الجهة الداعمة.
وللتوضيح، يمكن الاطلاع على هذا التقرير من إعداد Cendrella Azar ضمن مشروع “وئام” نفسه، الذي يتناول أهمية دور نساء عكار في تنمية واحدة من أفقر المناطق في لبنان:
أو على تقرير قديم ولكنه جميل من إعداد Zeina Nasser عن عيشة العبد ولماذا سمّي شارع باسمها في برجا:
https://ghazayel.com/l/laodw
وكذلك تقرير Darine Saleh على “أم تي في” عن نهاية غزيل، ومشغل كسر وبيع قطع السيارات:
https://www.facebook.com/share/v/19baPopPAg
وهذه عينة بسيطة عن دور النساء، ولكن تخيلوا لو تم إفساح المجال للصحافيين لتسليط الضوء على جوانب مختلفة من برجا وساعدناهم في ذلك!. هل سمع أحدكم بصانع المدافع البرجاوي جمال نور الدّين يزبك سعد؟
ما أحاول قوله، لا تصدّقوا كل ما ينشر بلا تحقق. لا تدفعوا بأفكار تنمية برجا إلى الخارج بسبب إشاعات لا أساس لها. نحن أبناء برجا، ونحن أدرى بما يصلح لنا وما لا يصلح. وندرك تماماً متى يكون التعاون مفيداً، ومتى نرفع الصوت اعتراضاً.
وأنا من أبناء برجا، وممن يحرصون على قيمها الأخلاقية، كما على حريتها وحقها في التنمية، أؤكد أن ما نشر من أدلة وما لمسته من مشاريع تم تطبيقها ضمن “وئام”، لا يحمل أي نية مبيتة، وإن وجدت أي ثغرة أو نقطة تستدعي الحذر، فثقتي بعلم رجال الدين (لاسيما المشاركين في المشروع) ووعي المجتمع تبقى الضامن الأساسي لضمان احترام القيم والعادات المجتمعية التي نادت بها البلدية في بيانها والتي سبق أن وافقت على تنفيذ أكثر من مبادرة تنموية من قبل من الجهة الممولة نفسها.
وإذا كانت جمعيّة العطايا البرجاويّة أو أي جهة برجاوية مشاركة غفلت عن تفصيل هنا أو هناك، فإن نيتها تبقى صافية وهدفها أوضح بخدمة برجا وأبنائها.
وإن واصلت القراءة حتى هذه السطور، وكان صوتك عذباً، “جوقة زمان البرجاوية” بانتظارك على الرقم ٧٦/٦٦٥٩٨٩